المسؤولة عن المجلة سلمى إبراهيم

السبت، 9 ديسمبر 2017

قراء في نص الشاعرة ربا مسلم /وطن يشبهني / بقلم الشاعرة سلمى إبراهيم










قراء في نص الشاعرة ربا مسلم /وطن يشبهني / بقلم الشاعرة سلمى إبراهيم 

تعتبر الدلالة في قصيدة النثر من أهم مقوماتها وأسسها ، وصياغتها بصورة شعرية هادفة في معناها و جميلة في تركيبتها يجعلها تستدرج المتلقي وتستفز خياله وفكره وحتى عواطفه و تأخذه نحو التفكير والتحليل وعيش أحداثها من منطلق آخر أي من منطلق الشاعر وفكرته، حتى وإن كان يعيش القضية في ذاتها بشكل يومي ولكن قصيدة النثر تقدمها له بطريقة أخرى أكثر شاعرية، و بأكبر حرية و ببصمة عاطفية وفكرية ولابد وأن تكون مميزة. 
وهذا الذي عملت على تحقيقه الشاعرة ربا مسلم في هذا النص الرائع ودون أن تلجأ إلى الضبابية أو الرمزية المعقدة ( فالمتلقي اليوم، لا يحتاج إلا أن يقول له الشاعر أنا هنا أعيش معك وأحس بك تماما)، بل اعتمدت كعادتها على إحساسها الطاغي ولسان أنثى التي استطاعت ببراعة أن تعطينا فكرة عن مزيج غريب بين الحب والوطن ، الوطن الذي يشبهنا في تفاصيله الحزينة والتعيسة، والحب الذي يضحى به من أجل الوطن، وكأن فرحة الحب لا تكتمل إلا بفرحة الوطن، وبتالي هنا وحسب رأي وحسب دلالات النص أن الحبيب هو الشهيد أو اللاجئ أو المختفي بسبب ظروف البلاد والحرب ، لتبقى الحبيبة تعاني تلك التفاصيل لوحدها والتي وضحتها الشاعرة في أكثر من موضع في النص: 
في قولها 
ليد لم تقطعها الحرب 
لصدر لم تمزقه رصاصة
لعيون لم تغمضها قذيفة 
أسرق أنفاسي لأثمل بعطر خانني 
لينتشي بوسام لاجىء
وفي وقولها أيضا 

أدير ظلي لنهر عبرني يوما منك 
لأسمعك تدندن بصوت غائب 
موطني ...موطني 
ياللحنك
سرقني مني وترك عمري 
وفي قولها أيضا 
يسحبني من تحت الأنقاض 
يلملمني يلفح وجه غربتي 
بنسيم حار 
يصبغ ظلي بسمرة لها مذاق شفتيك
وهنا الشاعرة ربا مسلم أطلقت العنان للبكاء في أكثر من موضع حتى تصل الصورة بحزنها الثقيل والموجع ، لأنها لا تعبر عن حال ذاتها ، بل تعبر عن حال الكثيرات في وطنها وبتالي أخذت على عاتقها إيصال رسالتهن من خلال هذا النص وخصوصا أرامل الشهداء ، ويتبين ذلك من خلال هذا المقطع المحزن فعلا والمؤثر: 
اخلع مدني أجيئك حافية كنهر 
مضيئة كغبار النجوم 
لأخبرك أن الحرب لم تكسرني حتى الآن 
لازلت قادرة على الوقوف لأنحني لمواكب الشهداء
فكل تلك الدلالات صاغتها الشاعرة لتجعلها مرافقة أو مرادفة لجذوة الألم، الألم ذو الوجهين ألم الحب والفراق وألم الوطن و الحرب، وهنا بتقنية ذكية منها تُوضح أن الألم الأول يذوب ويتلاشى في الألم الثاني و الألم الأعظم، وهو الألم على الوطن و تقول أنها هي بكل كيانها وعاطفتها وأنوثتها احتلها الخراب والدمار مثل هذا الوطن. مثلما جاء في المقطع التالي: 
وطن يشبهني 
يتشهى وجعي 
وأتشهى حنان حطامه
أنا إن ماتت ذاكرتي 
لمن أغني 
حزني أعمق من المحيط 
من هذا الليل الطويل 
وفي حضتك سيدي 
متسع لي ولقصيدتي الهاربه
من وحشة هذا الزمن
فلا تنم فبل أن تسمع أغنيتي 
عسى تهطل دمعتك من عيني 
فتلتقطها شفتاي
خذني من النسيان 
ولأن عاطفة الحب تبقى متأججة في القلب ، رغم الحرب والدمار و لان الحب دائما يفرض نفسه بقوة في أيام الحزن الشديد، وعلى الرغم من كل شيء يبقى أنين صوته في دماغه وقلوبنا لا يزول ، تختم الشاعرة بمناجاة حبيبها و تدعوه بطريقة ما للعودة و طرد فكرة النسيان ، وكأنها تقول أنا مازلت أتمسك بالأمل والحياة والحب وأنت وحدك حبيبي عنوان لكل هذا، فانتشلني من تحت كل هذا الدمار فبعودة حبنا ربما يعود الوطن المنكسر كانكسار قلوبنا ، فتعال نصلح هذا الانكسار وهذا في مقطعها الأخير 
خذني من النسيان 
دثرني من برده
لا تتركه يشربني حتى آخر قطرة 
اعبر بي نهر وحدة كاد يغرقني 
انحر المسافة بعناق 
لأبتعد عن موتي قليلا
سقط حلمي قرب ليلك فالتقطه 
أو اسحب ظلك من طرقاتي 
فلا أنا هنا
ولا أنت هناك
وحده الوطن هنا ....هنا
................
فتحية لك شاعرتي وصديقتي الغالية ربا مسلم على هذا النص الرائع جداا ، أتمنى لو أن مخرجا سينمائي يخرج فيلما يوثق أحداث الحرب في سوريا ، ويجعل بطلة الفيلم تلقي هذا النص سيكون مشهدا يلصق بالذاكرة إلى الأبد.
دمت ملكة الإحساس والجمال والأقرب إلى الخيال والواقع في نفس الوقت

0 التعليقات: